ملف 004 ــ العشاء المؤجل
حلَّ الظلام وأشعلت الأم شمعة لتضئ بها عتمةَ الليلِ.
جلس الطفل على الطاولة… واقترب من والدته بهدوءٍ ، يسحبُ طرفَ ثوبها بأناملٍ مرتجفة …
لم يقل شيئًا… فقط نظر إلى عينيها طويلاً
وكأنه يبحث عن رغيفٍ لا وجود له.
“أنا جائع”… قالها بعينيه، ثم طأطأ رأسه، كأنّ الجوع عارٌ يحمله وحده… كأنّه يخجل أن يطلبَ منها شيئًا… وهو يعلم أنها لم يعد في يديها شيء…
ابتلع الكلمات كما يبتلع لعابه الخاوي،
ثم قال بصوت أقرب للهمس:
“ماما… ممكن أشرب مية؟”
فهمت الأم ، لكنها تظاهرت أنها لم تفهم…
همست له: “نم يا صغيري… فالغد قد يحمل لنا فرجًا”
لكنها كانت تكذب … لأنها لا تملك إلا الكذب الدافئ
حين يعجز الواقع عن إطعام من تحب…
ضمّته إلى صدرها… وفي صدرها ارتطمت الكلمات:
“يا صغيري… ماذا أفعل حين لا أملك حتى الحزن الكافي لأطعمك؟”…
تأمّلت وجهه الصغير، الذي أنهكه الانتظار،
تأملت يديه النحيلتين وهما تحتضنان بطنًا خاويًا،
تأملت العالم كله، ولم تجد فيه رغيفًا واحدًا يليق بطفلٍ يحادث الرغيف الغائب، ويفتش في النوم عن دفء لم يجده في يومه ..
غابَ الخبزُ … ونامَ الطفلُ جائعًا … وأطفأَ الجوعُ شمعةَ العشاء..
وغفت الأمُّ وفي صدرها حربٌ لا تهدأ …
فلا شئ أقسى من أن ينظر إليك ابنك كأنك الحياة… و أنت لا تملك له حتى لقمة تسد جوعه ..
العشاء … ملف محذوف من حياةٍ ما عادت تشبه الحياة ..
بقلم/ بسمة زهير أبو جبارة
اقرأ أيضا