ملف 002 ــ الطفولة المسروقة

ملف 002 ــ الطفولة المسروقة

انتشله صوت قصفٍ قريبٍ من نومه ولم يتمكن من النوم بعدها.. ليست لديه رفاهية استكمال النوم ..

عليه أن يذهب باكراً ويطارد عربة سقيا الماء التي توزعه مجاناً على النازحين … وإلا سيضطر لدفع المال من أجل الحصول على شربة ماء.

وبعد ساعةٍ وبضع دقائق .. تمكن من العودة لأمه بجالون الماء وملابسه تلتصق بجسده النحيل وقد أنهك الحِملُ الثقيلُ جسده الهزيل..

الماء لم يبلله فقط… بل أيقظَ فيه شيئًا من البراءة المغموسة بالبرد.

ما أن جلس … وإذ بأمه تناديه ليلتحق بطابورٍ آخر ليحصل على بعض الدقيق.

وفي المقابل .. وعدته أن تصنع منه خبزاً لم يذقه منذ أيام…

ذهب دون تردد .. فلا أحد يسد مكانه .. والده مفقود ولا أحد يعرف مصيره … وهو وحيد أخواته وإن لم يذهب .. فسيموتون جوعاً.

وبعد بضع ساعاتٍ .. عاد وملامحه شبه مطموسة .. وجسده مغلفاً بطبقة من الدقيق وكأنه خارج من معركةٍ بيضاء ..

أخذ ينفض الدقيق عن ملابسه فتتناثر من ثيابه سحب ناعمة .. وكأن الغبار يحكي قصة رغيف لم يكتمل بعد.

ذهب ليجمع بعض العيدان والأوراق .. فإذا بأذان الظهر يوقف ضجيج المخيم المتعب ليذكره بأن هناك ما هو أسمى من هذا الضجيج وأن الروح لاتزال قادرة على الانتباه وسط الركام ..

ذهب إلى المصلى وما ان أنهى صلاته … بدأت قدور التكية بالغليان وتعبقت الروائح في الأزقة .. حان موعد السكب ..

بعد عناء طويلٍ … عاد إلى خيمته ويداه الضعيفتان بالكاد تحملان الطبق … أصابعه النحيلة تتشبث به كأنها تخشى أن يسقط الجوع من بينهما…

في عينيه تعب أكبر من عمره …وفي يديه إصرار لا يشبه صغره.

كبر قبل وقته .. ليس بإرادته ولكن لأن الحياة في غزة لا تنتظر …

في غزة … الطفولة تبدأ بطوابير وليس بألعاب الحرب خلطت الأدوار …صار الطفل أب ..واللعب تَرَف ..

بقلم/ بسمة زهير أبو جبارة

اقرأ أيضا

ملف 001 ــ تكنولوجيا لا تعرف الألم